حاسة الشمّ

يتكون جسم الإنسان من خلايا متخصصة، حيث تساهم كل مجموعة منها في أداء وظيفة معينة تضمن عمل الجسم بشكل صحيح وآمن. وقد أكرم الله الإنسان بجملة من الحواس التي تمكنه من الاستشعار بمحيطه، مثل حاسة البصر التي ترتبط بالعين، وحاسة السمع التي تعتمد على الأذن، وحاسة اللمس التي تتواجد في الجلد، وحاسة التذوق التي تميزها اللسان. وكل حاسة لها خلايا متخصصة تعمل بتنسيق مع مراكز معينة في الدماغ لتحليل المعلومات الواردة من البيئة المحيطة. ومن الظواهر الرائعة في خلق الله أن الحواس الأخرى تبقى سليمة حتى في حال تعرض جزء من الدماغ المسئول عن حاسة معينة للتلف، وسنركز في هذا المقال على حاسة الشم.
حاسة الشم هي إحدى أهم الحواس الإنسانية، حيث تعزز قدرة الشخص على استشعار الروائح التي تحيط به. ويعتمد بعض الأفراد على حاسة الشم لتمييز المواد في الطبيعة، مما يجعلها بديلًا مفيدًا لحاسة التذوق في بعض الأحيان، وتعتبر أيضًا وسيلة وقائية للجسم، حيث يمكن للشخص أن يشم المواد قبل تذوقها لتفادي أي أذى قد تسببه. وقد صنف العلماء حاسة الشم ضمن الحواس الكيميائية، ولكنهم لم يصلوا بعد إلى تفسير شامل لكيفية تميز الإنسان بين الروائح المتعددة.
ما يميز حاسة الشم هو عدم حاجتها إلى وسيط طبيعي، على عكس حاسة البصر التي تتطلب وجود الضوء. فبإمكان الشخص استنشاق الروائح بشكل مباشر من خلال تقريب أنفه من أي مادة. كما يمكن استعمال حاسة الشم في كافة الظروف والأوقات، سواء كان الشخص نائمًا أو مستيقظًا، في النهار أو الليل، وأيضًا في الصيف والشتاء.
لحاسة الشم تأثير كبير على تجربة تناول الطعام وطعمه؛ على سبيل المثال، عندما يصاب الشخص بالزكام، فإنه يفقد القدرة على شم الروائح نظرًا لتضرر الخلايا العصبية المسؤولة عن تلك الحاسة.
تقع خلايا الشم في أنف الإنسان، وتشغل مساحة لا تتجاوز 2.5 سم² (250 ملم²). يحتوي كل ملم² على حوالي مئة ألف خلية عصبية مخصصة للشم، ليصل العدد الإجمالي إلى حوالي عشرة ملايين خلية عصبية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المساحة تتضاعف في حالات الاستنشاق القوي، حيث تتوسع مناطق الخلايا الشمية عند أخذ أنفاس عميقة.
تتم عملية الشم عندما تستقبل العصبونات الشمية التنبيهات من الأهداب المرفقة بها، الموجودة في الغشاء المخاطي لسقف الحفرة الأنفية. وعندما تدخل الجزيئات المتطايرة إلى الأنف وتذوب في الطبقة المخاطية، تتفاعل الأهداب مع هذه الجزيئات وتنقل المحفزات إلى العصبونات الشمية، التي تقوم بدورها بنقل الإشارات إلى البصلة الشمية، ثم إلى المسلك الشمي، ومنه إلى مراكز معينة في الدماغ. من الملاحظ أن فقط واحد من كل ألف عصب شمي يتصل مباشرة بمراكز الإحساس في الدماغ، مما يؤدي إلى نتيجة تكتل حوالي ألف نهاية عصبية لعشرة ملايين عصب شمي.