ما هي المذاهب السنية المتعددة

ما هي المذاهب السنية المتعددة

تعريف الفقه وأهمية الأحكام الشرعية

الفقه هو العلم المعني بالأحكام الشرعية، ويتطلب معرفته لتطبيقها والعمل بها، حيث يشكل ذلك تجسيدًا حقيقيًا للعبودية لله تعالى وفق ما يرضيه. لقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم الذي يحتوي على هذه الأحكام، وتبعه الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أوضح وفسر تلك الأحكام، خصوصًا ما لم يتم تفصيله في القرآن. فقد كانت سنة النبي، التي بيّنها للصحابة، مصدرًا رئيسًا لفهم الأحكام. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الرسول عن المسائل التي يجدونها صعبة، فكانوا يتلقون التوجيه منه عبر الأقوال والأفعال حتى وفاته.

مع مرور الوقت، بدأ الفقهاء والمجتهدون من الصحابة في الاعتماد على الكتاب والسنة وضم القوانين المبنية على القياس والإجماع. بعد عصر الصحابة، جاء التابعون الذين استمروا في هذا النهج، معتمدين على الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة، ولكن ظهور قضايا جديدة استدعى وضع أصول وطرق تمكنهم من استنباط الأحكام الشرعية، مما أدى إلى ظهور مذاهب متعددة. وعند الحديث عن هذه المذاهب، تبرز أسماء أربع مذاهب رئيسية تحت قيادة أئمة بارزين، وجميعها تنتمي للمدرسة السنية.

أسباب الاختلاف بين المذاهب الفقهية

تباين الآراء بين الفقهاء يعود إلى اختلافهم في مناهج الاجتهاد، حيث لم تصل بعض الأحاديث إلى بعضهم، ما أثر على استدلالاتهم. ذلك أدى إلى تفاوت في الفهم، وبالتالي اختلاف في الفتوى. من أبرز الفقهاء الذين أسسوا مذاهب معروفة نجد أبو حنيفة النعمان، مالك بن أنس، الشافعي، وأحمد بن حنبل، بالإضافة إلى آخرين كإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري. وقد كانت المذاهب الأربعة الأكثر شهرة بين علماء أهل السنة والجماعة المذهب الحنفي، المذهب المالكي، المذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي، ويعود ذلك إلى كثرة تلاميذهم وانتشار أقوالهم.

المذهب الحنفي وأبرز أعلامه

الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت هو مؤسس المذهب الحنفي، وكان من علماء التابعين في العراق. من أشهر كتبه “الفقه الأكبر”، ومن أبرز تلاميذه الإمام محمد بن الحسن الشيباني. ومن المراجع المعروفة في هذا المذهب كلا من “كتاب المبسوط” لشمس الدين السرخسي و”بدائع الصنائع” للكساني. هذه المذهب تمركز في مناطق مثل أفغانستان والعراق وتركيا وسوريا. أظهر الفقهاء الحنفية توسعًا في فهم الاستحسان، وقد أكد الإمام أبو حنيفة أن جميع فتاويه تستند إلى الكتاب والسنة، وأنه لا ينقض الحقائق الشرعية.

المذهب المالكي وتأثيره

الإمام مالك بن أنس هو مؤسس المذهب المالكي، وموطنه الحجاز. ألف كتاب “الموطأ” الذي يعد من أهم الكتب الفقهية. انتشر المذهب في دول مثل الجزائر والسودان وتونس والمغرب وليبيا. اعتمد الإمام مالك في اجتهاده على عُرف أهل المدينة، بالإضافة إلى المصالح المرسلة. وشدد على أهمية المطابقة مع الكتاب والسنة قائلاً “ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك.”

المذهب الشافعي ومكانته بين المذاهب

الإمام محمد بن إدريس الشافعي، مؤسس المذهب الشافعي، ألف عدة كتب منها “كتاب الرسالة” و”كتاب الحجة”. ينتشر هذا المذهب بشكل واسع في أندونيسيا وماليزيا والشرق الأفريقي. يعد الشافعي أسسًا للأصول والفروع في الفقه، وكثيرًا ما كان مذهبه وسطًا بين الحنفية والمالكية. تميز بأسلوبه القائم على الحديث وتأكيده أن “ما خالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو غير مقبول”.

المذهب الحنبلي وخصائصه

الإمام أحمد بن حنبل، الذي نشأ في بغداد، كان له دور كبير في جمع السنة وحفظها. ورغم أنه لم يؤلف كتابًا خاصًا به في الفقه، شهدت آراؤه شغفًا بين تلاميذه الذين استقوا من أقواله وأفعاله. يعتمد المذهب الحنبلي على الأحاديث ويقدمها على أي رأي آخر، ويدعو إلى عدم تقليد الأئمة بشكل أعمى. تركز انتشاره في نجد والخليج العربي ومصر.

في ختام الحديث

يمكن القول إن المذاهب الفقهية تجسد دراسة معقدة ضمن إطار متفق عليه في الأصول مع اختلافات في الفروع، ويتعين على الأفراد التعاطف مع جميع المذاهب الفقهية. كان الأئمة الأربعة يجمعهم تقدير الكتاب والسنة، وتأملهم في البحث عن الحقيقة، وذلك يعكس تفانيهم في خدمة الدين وتوضيح الأحكام الشرعية.