أسلوب هجرة الرسول وآثارها

تزايدت الضغوطات التي مورست من قِبل قريش على المسلمين، حيث واجه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أشد أنواع الأذى والعنف. إذ أساءت قريش إلى أتباعه واعتدت عليهم، بينما بدأت بوادر تغيير إيجابية عندما آمن عدد من أهل يثرب برسالته. وبعد أن أعلنوا إيمانهم، قرر الرسول الهجرة إلى يثرب. وقد بدأت فعليًا هجرة المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، حيث أذن لهم الرسول بمغادرة مكة التي شهدت ظلمًا كبيرًا. ومع ذلك، لم يتمكن جميع المسلمين من الهجرة بسبب محاولات قريش الحثيثة لمنعهم، لكن بعضهم تمكن من الهرب من قبضة قريش.
أوصى الرسول المسلمين الذين كانوا في الحبشة أيضًا بالهجرة إلى يثرب، مما جعل مكة بحاجة إلى التخلص من معظم أتباعه، بينما ظل الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة، في انتظار الإذن بالهجرة. وقد كان تنفيذ هذه الهجرة متروكًا لتوجيهات الله سبحانه وتعالى.
- عقدت قريش اجتماعًا طارئًا بين قبائلها، حيث ناقشوا سبل القضاء على الرسول عليه الصلاة والسلام. تم طرح عدة اقتراحات خلال الاجتماع، من بينها نفيه ومنع عودته لمكة، لكن هذا الاقتراح ووجه برفض كبير بسبب خشيتهم من تأثيره القوي والراقي على العرب. كما تم اقتراح حبسه، وأدركوا أن الخيار الأكثر تطرّفًا هو قتله، وبناءً على هذا الاقتراح تم الاتفاق.
- أوحى الله للنبي من خلال جبريل عليه السلام أن يغادر في تلك الليلة التي تم فيها التخطيط لقتله، وأمره بعدم النوم في فراشه. بدوره، توجه الرسول إلى أبو بكر رضي الله عنه لترتيب تفاصيل الهجرة، ووضعوا خطة شاملة لهذه المهمة، ثم عاد الرسول إلى داره في انتظار حلول الليل دون أن يشعر أحد بنيته الهجرة.
- كانت قريش مشغولة بتنظيم الفريق الذي سيحاصر بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان أبو جهل يقود المجموعة. أوصى الرسول ابن عمه علي بن أبي طالب أن ينام في مكانه ويستخدم فراشه. وعندما أتى الليل، تجمع المشركون حول منزل الرسول، وعندما خرج، كانوا يعتزمون قتله بضربة من كل سيوفهم.
- في تلك الليلة، خرج الرسول عليه الصلاة والسلام برعاية الله عز وجل، حيث اخترق صفوفهم وأخذ حفنة من التراب ورمى بها على رؤوسهم، فأصيبوا بعماية جراء ذلك ولم يشعروا بخروجه. اتجه بعد ذلك إلى بيت أبو بكر رضي الله عنه، وغادروا معاً متجهين إلى غار ثور.
- أحدهم توجه إلى المشركين وأخبرهم بأن الرسول قد خرج وترك شخصًا نائمًا في مكانه، فلما نظروا عبر فتحات الباب ظنوا أنه الرسول ولم يكن سوى علي رضي الله عنه الذي افترض دوره في حماية ابن عمه.
- في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر في العام الرابع عشر للبعثة، بدأ الرسول رحلة هجرته إلى المدينة. وكان المنهج المتبع هو اختيار طريق معكس لتفادي كمائن قريش، مما جعلهما يسلكان طرقًا جبليّة ووعرة، إلى أن وصلوا إلى غار ثور.
- توجه أبو بكر قبل الرسول إلى الغار، وسد الثقوب الموجودة به، وبقي له شقان سدهما برجليه، وطلب من الرسول دخول الغار. بمجرد دخوله، استلقى الرسول عليه الصلاة والسلام في حجر أبو بكر لينام. بقيا مختبئين في الغار لمدة ثلاث ليال، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ليلاً ثم يعود نهارًا إلى مكة ليجمع المعلومات حول تحركات قريش.
- قامت قريش بتعذيب علي رضي الله عنه وحبسه، لكنهم لم يحصلوا على أي معلومات منه. كما زار أبو جهل بيت أبو بكر وسأله عن ابنه، وكلما ردت أسماء بنت أبي بكر بأن لا علم لها بمكانه، كان يزداد غضبه. وبعد ذلك، عادت قريش لتتابع آثار الرسول وأبو بكر، مع وضع مكافأة ضخمة لكل من يصل إليهما.
- خرجت مجموعة من الفرسان يبحثون عن النبي، لكن محاولاتهم باءت بالفشل، حيث وصلوا إلى الغار لكن الله أعماهم عن رؤيتهم، فقال النبي لأبي بكر “ما ظنك باثنين الله ثالثهما”. وبعد فترة من الهدوء، قرر النبي الخروج متجهًا إلى المدينة، وقد استأجر دليلًا يدعى عبد الله بن أريقط ليوصلهما برًا، وكان الموعد متفقًا عليه بعد ثلاث ليال من خروجهما من الغار. وكانت أسماء بنت أبي بكر قد أحضرت لهما مؤونة السفر.
- عندما رآها سراقة بن مالك، حاول اللحاق بالرسول وأبو بكر، لكن فرسه علقت في الرمال ولم يستطيع التحرك. عندئذ، أدرك سراقة أن الله سيكون في عونه، ووعده الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه سيَنصُر المسلمين وسيجعلهم يلبسون تاج وسوار كسرى، وكان هذا ما تحقق في زمن الخليفة عمر بن الخطاب حين انتصر المسلمون على الفرس.
- في الثامن من شهر ربيع الأول، وصل الرسول وأبو بكر إلى منطقة قباء، حيث مكثوا أربعة أيام. وقد أسس الرسول في هذه الأثناء مسجد قباء، الذي يعتبر أول مسجد في الإسلام.
- دخول النبي المدينة، المعروفة سابقًا باسم يثرب، شكل حدثًا تاريخيًا عظيمًا تم فيه تسميتها بـ”مدينة الرسول”. فقد احتفى الناس بهذا اليوم بعبارات الحمد والتسبيح، وغنت الجموع أنشودة “طلع البدر علينا”.
- توافد الناس على الرسول طالبين منه أن ينزل في بيوتهم، ولكنه أشار إلى أن الناقة هي من سيحدد المكان الذي سينزل فيه والذي سيتخذ كمنزله ومكان لصلاته، وكان من نصيب القبيلة التي تقيم في بني النجار، الذين هم أخواله.
- بعد مرور عدة أيام، وصلت زوجته سودة وابنتاه فاطمة وأم كلثوم، وكذلك الصحابي أسامة بن زيد وزوجته عائشة رضي الله عنهم. ومع استقرار الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، بدأت مرحلة جديدة من التأسيس وبناء المجتمع، بالإضافة إلى غزوات ومواجهات متعددة حتى تحققت غزوة فتح مكة، ما أدى إلى انتصار عظيم ودخول الناس في دين الله أفواجًا.