أول من أسس المدينة من المهاجرين

كان المسلمون في مكة المكرمة يتعرضون لاضطهاد شديد من قريش، مما دفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى توجيههم بالهجرة إلى المدينة المنورة. هؤلاء المسلمون الذين هربوا من مكة عرفوا بالمهاجرين، بينما قام أهل المدينة الذين آووا ودعموا المسلمين بتسميتهم الأنصار. نظراً لخطورة الوضع، كانت الهجرة تتم على مراحل لتفادي اكتشاف أمرهم من قبل قريش، وكان من بين أولئك الذين قدموا إلى المدينة الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه، الذي لقّب بسفير الإسلام ومقرئ المدينة.
مصعب بن عمير، ابن هاشم بن عبد مناف، كان ينتمي إلى عائلة غنية من قريش، وقد عاش حياة الرفاهية قبل أن يسلم. شأنه شأن الكثير من الشباب من ذوي الثراء، كان يرتدي أفخر الملابس. لكن بعد إسلامه في دار الأرقم، وعندما اكتشف أهله إسلامه، انقطع عنه الترف والملذات. وقد ابتعد عن أسلوب الحياة المرفه، مفضلاً الزهد والتقشف في سبيل دينه. هذا الصحابي الجليل دفع ثمن إيمانه غالياً، حيث استشهد في معركة أحد، ليكرمه الله بالشهادة في سبيله.
بعد بيعة العقبة الأولى، التي شهدت إسلام عدد من الأنصار، كلف الرسول صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بالذهاب إلى المدينة المنورة لتعليمهم القرآن وأمور الدين. ولهذا السبب عُرف بلقب “مقرئ المدينة”. وعند وصوله المدينة، نزل في بيت أسعد بن زرارة، حيث كان يترأس صلاة الجمعة ويلقي خطبة فيها، ويجمع بين الأوس والخزرج في الصلوات قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.
بينما كان مصعب بن عمير يقضي وقته بين الأنصار، كان يدعوهم إلى الهداية ويتحدث معهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما جعلهم يعتنون بحضوره ويدفعهم للشوق لرؤيته. وقد أسلم على يديه عدد من الشخصيات البارزة، مثل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما، حيث أدى إسلامهما إلى اعتناق الكثير من الرجال والنساء للدين، وتعلّمهم مبادئه.
استشهد هذا الصحابي خلال معركة أحد، حيث كان يحمل لواء المسلمين. وفي خضم المعركة، واجهه ابن قميئة الليثي، فقتله ظناً منه أنه قد قضى على الرسول صلى الله عليه وسلم. بعد استشهاد مصعب، تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حمل اللواء في ساحة المعركة.