مدينة بومبي القديمة

مدينة بومبي القديمة

مدينة بومبي الرومانية تاريخ من الدمار والاكتشاف

تُعد مدينة بومبي الرومانية واحدة من أبرز المواقع التاريخية في إيطاليا، حيث كانت مأهولة بحوالي 20,000 نسمة. تقع هذه المدينة القديمة على قمة جبل فيزوف، الذي يرتفع حوالي 1200 متر فوق مستوى سطح البحر، بالقرب من خليج نابولي. في عام 79 ميلادي، شهدت المدينة ثورانًا بركانيًا كارثيًا أودى بها وبمدينة هركولانيوم، حيث غُمرت بالكامل تحت الرماد، ولم تُكتشف إلا بعد انقضاء 1600 عام، في القرن الثامن عشر الميلادي. في ظهر يوم 24 أغسطس عام 79 م، انفجر البركان وملأ السماء بسحب كثيفة من الدخان، مما جعل النهار يتحول إلى ظلام دامس. وضع بعض السكان حياتهم في خطر من خلال الاختباء في منازلهم في محاولة للحماية، بينما حاول آخرون الهروب عبر البحر، مما جعل ذلك اليوم ذكرى مأساوية في التاريخ الروماني.

يُعتبر بليني الصغير الشاهد الوحيد الباقي على تلك الكارثة العنيفة، حيث سجل وصفًا دقيقًا لما جرى من هزات أرضية وآثار ثوران البركان، التي انطلقت منها نيران وهبّات تعصف بالمدينة، ناهيك عن الرماد الكثيف الذي طمر المكان. كما أشار إلى نوع من التسونامي الذي صاحب تلك الأحداث. تم اكتشاف مدينة هركولانيوم في عام 1738، تلاها اكتشاف مدينة بومبي في 1748.

الحفريات والكشف عن الماضي

أظهرت الحفريات الأثرية في موقع بومبي بعد الكارثة أن المدينة كانت قد تعرضت لزلازل عدة قبل ثوران البركان. تم تحليل الطبقات التراكمية من الرواسب، التي حُدّدت في ثلاث طبقات موجودة فوق الحمم البركانية، حيث عثر العلماء على شظايا من الفخار والنباتات وأجزاء من عظام الحيوانات، مما يشير إلى أن هذه الطبقات ترجع إلى الفترة بين القرنين السادس والثامن قبل الميلاد.

تعود نشأة المدينة إلى فترة ما بين القرن السادس والقرن السابع قبل الميلاد، وقد أسسها شعب الأسكانيين، الذين كانوا يسكنون وسط إيطاليا. كانت المدينة بمثابة نقطة التقاء مهمة بين مناطق كوماي وستابيا ونولا، واستخدمها الفينيقيون واليونانيون كميناء. وفي مرحلة لاحقة، سيطر عليها الأتروسكان، حيث تم العثور على نقوش أترورية تعود للقرن السادس قبل الميلاد. كانت بومبي أولاً مستعمرة يونانية تابعة لكوماي، ثم تعرضت للهجوم من قِبل السامنيت، وبعد الحرب، عمل الحكام الجدد على توسيع المدينة وتطوير معماريتها. خلال تلك الفترة، حافظت بومبي على استقلاليتها الإدارية واللغوية، كما احتفظت بعلاقاتها مع روما خلال الحرب البونيقية الثانية.

التراث العمراني والحياة الرومانية

في القرن الأول الميلادي، تجسدت مظاهر الحياة الرومانية القديمة في بومبي، حيث غمرت الكارثة العديد من المعالم العمرانية من تلك الحقبة، بما في ذلك المنازل والفلل التي كانت تتواجد خارج المدينة، مثل فيلا الألغاز، بالإضافة إلى الحمامات العامة. تلك المعالم التاريخية التي تميزت بها بومبي تُظهر براعة السكان في الفترات الرومانية.

بعد الاحتلال الذي تعرضت له المدينة عام 89 قبل الميلاد على يد الجنرال لوسيوس سولا، ضمت الجمهورية الرومانية بومبي إلى أراضيها. وقد شهدت المدينة غرابة في تطوير بنيتها التحتية، حيث تم تنفيذ تخطيط جامع للمدينة، بما في ذلك بناء المدرج الذي يحتوي على بركة للسباحة وحلبة لمصارعة الثيران. كذلك، تم إنشاء قناة مياه تُوزع المياه على 25 نافورة في شوارع المدينة وعدد من الحمامات العامة. وقد أسفرت الحفريات عن اكتشاف الكثير من جرار النبيذ والكتب المنقوشة على جدران العديد من المباني.

مدينة بومبي اليوم تُعد مثالًا حيًا على الحضارة الرومانية، تعكس قصصها المأساوية تأثير الكوارث الطبيعية على المجتمعات، كما تُبرز تنوع الحياة الثقافية والمعمارية التي ازدهرت في العصور القديمة.